بعد النتائج المخيبة التي حققّها تيار «المستقبل» في الانتخابات البلدية الأخيرة، علت في صفوفه أصوات تحمّل الرئيس سعد الحريري، والمعتدلين من قياداته، مسؤولية ما آلت إليه حال الحريرية السياسية من تراجع شعبي وتناتش بين الطامحين للفوز بقطعة من كعكة التيار.

صوّب هؤلاء، أساساً، على الحوار مع حزب الله وعلى مبادرة دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. واعتبروا أن أولى خطوات المصالحة بين الحريري وجمهوره تكون بوقف حوار لم يعد على «المستقبل» بـ«أي فائدة»، وبسحب مبادرة خسر التيار من أجلها حلفاءه من دون أن يربح خصومه.

فور انتهاء الانتخابات، عاد الحريري الى لهجة قاسية ضد حزب الله وايران وسوريا لأن هذا «ما يريده المستمعون»، وبدا أننا قادمون على مرحلة جديدة من التصعيد غذّاها انفجار فردان الأحد الماضي، وتصريحات نواب مستقبليين وبيان كتلة نواب التيار بالغمز من قناة مسؤولية حزب الله عن التفجير.

«هذا في العلن»، بحسب ما يؤكد عارفون ببواطن الأمور بين التيار والحزب. «أما في الكواليس، فيكاد المستقبل يطلب مساعدة رسمية من حزب الله». يلفت هؤلاء إلى أن كلام الحريري، أول من أمس، عن «أهمية الحوار في تخفيف التوتر السني ـــ الشيعي وفي تجنيب لبنان ويلات ومآسي»، رسم سقف التصعيد الذي لن يحقق تطلعات أصحاب «الرؤوس الحامية». وعليه، «الحوار ماشي، وهو اليوم مصلحة مستقبلية وقناة يمرّر عبرها التيار رسائله، أكثر منه مصلحة للحزب الذي يذهب الى جلساته تحت سهام التصويب السعودي عليه وعلى بيئته الحاضنة».

وبحسب المصادر، فإن «لسان حال الرسائل المستقبلية الى الحزب، على أكثر من مستوى وعبر أكثر من قناة، مفادها أن عليكم تفهّم حراجة موقف الحريري: أزمة داخلية في التيار مصحوبة بتمردات وتوترات سياسية واجتماعية؛ أزمة أودت ــــ أو تكاد ــــ بالامبراطورية المالية وسط تخلِّ سعودي واضح؛ إخفاق كل الرهانات على مآلات الوضع السوري؛ وفشل في إحداث إختراق في ملف رئاسة الجمهورية رغم التنازل الكبير بترشيح فرنجية، فيما أي اتجاه للموافقة على ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة ستزيد كلاً من هذه الأزمات حدّةً». وعليه، «المطلوب من حزب الله المساعدة في التوصل الى حل لملفي قانون الانتخاب ورئاسة الجمهورية بما يمهّد ــــ وهنا بيت القصيد ــــ لعودة الحريري الى السرايا الحكومية، وبما يساعده على لملمة أوضاعه الشخصية والسياسية والمالية، وهو الأمر الذي يتفّهمه تماماً الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ويشجّعان عليه».

ويقول مستقبليون إن على الحزب ان يُدرك ان الحريري يدفع ثمن خيارات انفتاحه عليه، من الحوار إلى الرئاسة والحكومة، إلى تغطية الخطط الامنية في طرابلس والسجون وقبلهما عبرا. فيما لم يحصل في المقابل على أي مكسَب يمكن ان يسوّقه لدى جمهوره. ويأمل المستقبليون أن «يستشعر حزب الله خطر انفلات الجمهور من القبضة الحريرية، وانتقاله إلى حضن أشرف ريفي ومن يشبهه او يفوقه تشدداً؛ وان يُترجم هذا الاستشعار تحصيناً للاعتدال الذي يمثله حالياً الرئيس الحريري».

في المقابل، تؤكّد المصادر المنتمية الى فريق الثامن من آذار أن حزب الله الذي «يشدّد على أهمية الحوار كإنجاز في حد ذاته» وإلا ما كان ذهب إليه في خضمّ الحملة التي تقودها الرياض عليه، «لا يرى نفسه معنياً بالأزمة الداخلية لتيار المستقبل ولا بإيجاد حل لها». وفي ما يتعلق برئاسة الجمهورية «فعنوان الحل معروف: الرابية. ولا تراجع عن الالتزام الذي قُطع للعماد عون في أي حال من الأحوال». أما رئاسة الحكومة وعودة الحريري اليها من عدمه «فأمر لا يزال مبكراً الحديث فيه، والأولوية حالياً لرئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب». المصادر ذكّرت بـ «المساعدة» التي عرضها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على تيار المستقبل العام الماضي بطرحه «السلة المتكاملة» للحل، ومن ضمنها رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتركيبتها وقانون الانتخاب وتفاصيل أخرى. «يومها قال السيد بوضوح: السلّة لمصلحتكم لأن ما نريده منها أخذناه بحصر الرئاسة في مرشح من 8 آذار». واليوم، لا يزال العرض قائماً: «السلّة أمامكم. الطريقة الوحيدة لحملها اسمها: انتخاب ميشال عون رئيساً».